شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
shape
السلف الصالح بين العلم والإيمان
13076 مشاهدة print word pdf
line-top
العلم الذي حصله السلف

وإذا عرفنا فضلهم نبحث أيضا - نبحث بعد ذلك - في الموضوع الثالث؛ ألا وهو العلم.
العلم الذي حصلوا عليه نقول: إن العلم المراد به: العلم الصحيح، العلم الموروث عن الرسل، العلم الذي هو ميراث رسل الله، ميراث أنبياء الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما؛ وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر فعلم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذه صغيرهم عن كبيرهم، وكبيرهم عمن قبله إلى أن ثبتوا ذلك، وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قيضهم الله -عز وجل- وقيض علماء في هذه الأمة منهم وممن بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح، ولتصفيته، ولحمايته عما يُدْخَلُ فيه من الأكاذيب، ومما ليس منه؛ ولهذا اشتغلوا بتركيب الأسانيد، الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت؛ حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته.
ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون الصحابة، ما كانوا يسألون عن الإسناد؛ ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في رواية ما ليس بثبت، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم. يعني: حتى نعلم ممن أخذتم عنه، فإذا سموا رجلًا موثوقًا وثبتًا عرفوا أن الحديث أو الأثر مقبول وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا هو السبب في تركيب هذه الأسانيد، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها.
علمهم الذي تميزوا به هو: أولًا: حفظهم للسنة النبوية ٌالتي رووها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه، وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين؛ ولهذا اهتموا –أولًا- بتدوين كتاب الله، وكتابته بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدة أيام، فأثبتوه في صحف؛ حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة؛ حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرفوا أن هذا هو القرآن المنزل عليهم.
ثم من علمهم – أيضًا - أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه. البيان: هو تفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم؛ وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل؛ ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم؛ ولأنهم أعرف بأسبابه، وأعرف بما يراد به. فلأجل هذا تقدم تفاسير الصحابة، وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم، على أهل الأزمنة المتأخرة؛ الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات، أو يطبقونها على الوقائع والحالات، أو ما أشبه ذلك.. فيقدم على الصحيح تفسير أولئك ويقبل في أن هذا هو المراد بهذه الآية، وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله؛ ولكن نقدم التفاسير؛ ولأجل هذا علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.
ونحن نعلم - أولًا -أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة وهذه الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه بأن يبلغها للناس بقوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ كلفه بأن يبلغ هذه الرسالة، ونحن بلا شك نعرف ونعتقد ونتحقق أنه بلغ الرسالة.
ثم بعد ذلك لم يقتصر على مجرد إلقائها عليهم؛ بل بينها لهم ووضحها بالعمل وبالقول، فشرح لهم ما خفي عنهم، ووضح لهم ما يحتاجون إلي إيضاحه؛ عملًا بأمر الله له، قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ لما أن الله أنزل عليه هذا الكتاب ليبينه للناس شرع في بيانه، فبيانه هو بيانه بالفعل كالصلاة والحج والزكاة، وما أشبه ذلك من الأشياء المجملة، وكالحدود والعقوبات والتعزيرات المجملة في القرآن التي أوضحها وبينها.
بيانه - أيضا – بالقول: ما فسره هو وأوضحه من الآيات وبين المراد منها كما استشهد بذلك المفسرون.
لا شك أن الصحابة الذين بَيَّنَهَا لهم تَحَمَّلوها، ولما تحملوها لم يسكتوا عندها؛ بل بلغوها وبينوها لتلامذتهم؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلفهم بذلك، كلفهم بأن يبلغوها، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغ الشاهد الغائب وقال فيما ثبت عنه: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه لغير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
فلما أنهم سمعوا ذلك منه، عرفوا أنه سوف ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأنهم سيقومون بعده بحمل هذه الشريعة، وبحمل نصوصها، وحمل معانيها، وحمل كيفياتها، فما سكتوا؛ بل بلغوا ذلك، وأخبروا خاصا وعاما بما علموه وبما حفظوه.
فالنصوص التي حفظوها حدثوهم بها وما كتموا شيئا، والنصوص التي حفظوا معناها ذكروا لهم معانيها، فَمَثَّلوا لهم الأمثلة، وفعلوا الأفعال أمامهم؛ ليبينوا لهم أن هذا ما حفظوه وما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل هذا ظهرت أعمالهم طبقًا لذلك العلم؛ وذلك أن العلم إذا كان سليمًا وكان علمًا صحيحًا فإنه يتبعه العمل؛ لأنه ثمرته.
ولا شك أن علوم السلف التي تلقوها عن نبيهم، وتلقوها عن مشائخهم وأكابرهم، لا شك أنها علوم جمة، وكلها فيما يتعلق بالشريعة. العلوم التي تلقوها عن نبيهم عليه الصلاة والسلام كلها فيما يتعلق بالشريعة، وفيما يتعلق بالأمر والنهي من الله -عز وجل- فتعلموا منه ما يقولونه بألسنتهم, وما يعتقدونه في قلوبهم وهو أمور العقيدة، وتعلموا منه ما يتقربون به إلى الله -عز وجل- وهو أمور العبادة، وتعلموا منه ما يلزمهم في هذه الحياة من الأعمال، وما يلزمهم تركه من المحرمات ونحو ذلك، كل ذلك تحملوه وكله بَلَّغُوه، فهذا من العلم.

line-bottom